Skip to content Skip to footer

البحث عن الهدوء بعيداً عن وسط لندن الصاخب

في بدايات الخريف البريطاني، حيث لا تزال الأوراق تحتفظ بلونها الأخضر الزاهي، قررت أن أقوم برحلة إلى لندن للبحث عن الهدوء والسكينة بعيداً عن الصخب الذي يعم وسط لندن والذي غالباً ما يستهوي الزوار من الخليج، وأنا من بينهم. هذه المرة، اخترت السكن في منطقة Egham، المعروفة بجمالها الطبيعي وقربها من ضفاف نهر التايمز، حيث يوجد منتجعات صحيه في لندن ومنها اخترت The Runnymede on Thames Hotel and Spa، ملاذي المثالي لهذه الرحلة.

بداية رحلتي كانت موفقة بشكل لافت، ففي يوم المغادرة، وصلت إلى المطار وتوجهت لأخذ بطاقة الصعود من موظف الخطوط الجوية السعودية. كان مقعدي المحجوز في الدرجة الاقتصادية، ولكن عندما جاء دوري للصعود إلى الطائرة، وقعت مفاجأة غير متوقعة. فبعد محاولتين لمسح بطاقة الصعود، وجه الموظف نظره إلى شاشة الكمبيوتر، ظهر عليه الدهشة، ومن ثم قال لي بابتسامة: ‘لقد تم ترقية مقعدك إلى درجة البزنس. مقعدك الجديد هو 22A.’ كانت هذه لحظة سعيدة أضافت إلى تفاؤلي بأن الرحلة ستكون مميزة.

وصلت إلى لندن وتوجهت مباشرة إلى Egham. الفندق، الذي كان يخضع لعمليات تحديث وتوسعة، قدم لي غرفة مريحة بسعر مناسب للغاية، 480 ريال لليلة شاملة كل الرسوم والضرائب. وهو ما مكنني من الاستمتاع بالهدوء دون الشعور بالانزعاج من أعمال التجديد. كانت رحلتي في البحث عن هذا الفندق تحدياً، حيث اكتشفت أن أسعار أي منتجعات صحيه في لندن تزيد عن ميزانيتي بكثير وبأسعار تتجاوز 6000 ريال لليلة، لكن فندق Runnymede كان يوفر نفس المستوى من الخدمات التي كنت أبحث عنها بسعر مقبول. موقع Agoda.com فاجاني بتوفير سعر على الفندق أقل من مواقع الحجوزات الأخرى وبنسبة 17% أقل. الذي هداني لموقع Agoda.com هو خرائط جوجل حيث قارن لي بين اسعار مواقع الحجوزات.

أما عن منطقة Egham، فهي منطقة تزخر بالتاريخ والثقافة، وهي جزء من مقاطعة ساري، التي تعد من المناطق الغنية بالمساحات الخضراء وتاريخ يعود إلى العصور الرومانية. Egham تعتبر بوابة لزيارة مواقع تاريخية مثل قلعة وندسور وحدائق سافيل.. كما أنها فهي تضم حوالي 6,000 نسمة وفق إحصائيات السكان الأخيرة، وتعد مكاناً مثالياً لمن يرغبون في الهروب من زحام المدن الكبرى والاستمتاع بالطبيعة والتاريخ. يقدر متوسط الدخل السنوي للفرد في المنطقة بحوالي 30,000 جنيه إسترليني، مما يعكس مستوى معيشي جيد. لكن كل هذا لم يغريني لزيارة متاحفها الأثرية لأنني كنت اريد العيش بهدوء بلا جداول ولا خطط ولا مواعيد ولا أي اهتمام من أي نوع كان.

خلال إقامتي، اكتشفت مطعم Polow Restaurant الإيراني، الذي يتميز بأجوائه العائلية وديكوره الذي يعكس تراث إيران بلمسات عصرية. السيد علي، مالك المطعم، يتقن فن الضيافة ويحرص على أن يشعر كل زائر بالترحاب. المطعم يقدم تشكيلة متنوعة من الأطباق الإيرانية الأصيلة حيث يبرز الكباب والايدام بوصفات تقليدية تجعلك تعيش تجربة طعام لا تنسى. أطباق الكباب واللحوم الممزوجة بنكهات التوابل الغنية والأعشاب كانت كفيلة بأن تجعلني أعود إلى مطعم السيد علي لأربعة مرات متتالية. بالمناسبة فإن أسعاره في متناول اليد حيث أن سعر صحن الكباب هو 68 ريال تقريباً. لفت نظري أن في هذه المنطقة توجد مراكز استجمام موزعة هنا وهناك ولعلها تعتبر خيار أفضل بكثير من اي منتجعات صحيه في لندن واقصد من ناحية اقتصادية

في إحدى المحادثات مع السيد علي، مالك مطعم Polow Restaurant، علمت أن منطقة Egham تتميز بانخفاض معدلات الجريمة وأن طبقة سكانها تنتمي إلى الفئة المرتاحة ماديًا. يتواجد في هذه المنطقة، وبالقرب من شارع High St، عوائل خليجية تملك شققاً سكنية، وعادة ما يزداد تواجدهم خلال فترة الصيف.

على امتداد الشارع جنوباً، تقع كلية Strode’s College، وهي جزء من Windsor Forest Colleges Group. تأسست الكلية في عام 1706، وتعد واحدة من أقدم المؤسسات التعليمية في المنطقة. تقدم Strode’s College مجموعة واسعة من البرامج التعليمية التي تشمل مستويات A-levels ومجموعة من الدورات المهنية، مما يجعلها مركزاً تعليمياً حيوياً للشباب في المنطقة.

فيما يخص المقاهي، تتنوع الخيارات في شارع High St بين Costa Cafe و Nero، وأنا من محبي قهوة نيرو والتي تملك نكهة فريدة وقوية تتكفل بصعق كل خلايا الاستشعار في لسانك صباحاً لتقول لك استيقظ يا هذا، كما يوجد فرع لستاربكس بجانب محطة القطار وهو نفس الطعم الممل المعتاد. أنصحك بالابتعاد عن مقاهي ستاربكس إذا كنت تبحث عن تجربة مقاهي جديدة بعيداً عن النكهات المنتشرة في مدينة الرياض.

كنت أحياناً أقصد مركز Elmsleigh Shopping Centre والذي يبعد مكان إقامتي قُرابة نصف ساعة مشياً. كنت أمضي بعض الوقت في التسوق أو تناول الطعام في إحدى المطاعم العالمية هناك، مستمتعاً بجو المكان الذي يزيد من متعة التجول، حتى وإن كانت المظلة رفيقتي في بعض الأحيان والتي كانت تقيني من زخات المطر. اثناء رحلة المشي اليومية كنت أمر بكثير من شركات التقنية مثل شركة Gartner و FIS و CDN وغيرهم كثر متواجدون في المنطقة مؤكدين رقيّ وجودة المكان الذي تواجدت فيه هذ الشركات التقنية العالمية.

في نهاية كل يوم، كان العشاء يتخذ شكلاً مختلفاً، حيث أفضل الانزواء في غرفتي، مستمتعاً ببعض الأجبان والفواكه التي اشتريتها من السوبرماركت. تلك اللحظات من الهدوء كانت تختم يومي بتأمل ورضا، تاركة في نفسي انطباعاً يدوم طويلاً. وأكسر لحظات الصمت الجميل الذي أعيشه بالنزول للمسبح المغلق داخل سبا Spa الفندق الذي لا يغلق إلا التاسعة مساءً. كما جربت جلسات المساج لمرتين ولم أجدها تمتاز عن غيرها من البلدان حيث توقعت أن يكون هناك إحترافية أعلى ولكن خاب ظني.

في صباح أحد أيام السبت، كانت هناك مفاجأة سارة حيث اكتشفت أكشاكاً مؤقتة نظمتها بلدية Egham ليوم واحد فقط. كان صغار التجار يبيعون فيها مجموعة متنوعة من المنتجات مثل الخضار الطازجة، الأجبان المحلية، أصناف مختلفة من الطعام والقهوة والكيك. ومن بين الأكشاك، كان هناك كشك يعرض المأكولات العربية مثل البقلاوة والفطائر، بالإضافة إلى كشك آخر يقدم الأطعمة البخارية التقليدية من طاجيكستان، مثل المنتو ورقائق العجين المحشوة باللحم والمطهوة على البخار، وهو ما أضاف لمسة دولية إلى تجربة السوق المحلي.

هذه الزيارات للمطاعم والأسواق المحلية والتحدث مع السكان جعلت تجربتي في Egham لا تُنسى، حيث استمتعت بكل لحظة في هذه المدينة الهادئة التي تجمع بين سحر التاريخ ونكهات العالم. تخيل أن الحدود الجغرافية لسفرتي هذه كانت في نطاق ضيق تماماً وهذا ما كنت أريده حقا.

مدينة لندن أعرفها منذ أن كان عمري 14 عاما أي قبل 38 سنة وتحديداً في عام 1984م عندما قام الحجاج الإيرانييون حينها بأعمالهم المتطرفة في حج عام 1404هـ، وحتى قبل زيارتي الاستجمامية هذه كنت قد أتيت بعائلتي إلى لندن في شهر يوليو لأيام ثم انتقلت إلى منطقة البحيرات في مدينة Windermere كرحلة يوم واحد بالقطار من لندن. كما انتقلت إلى مدينة مانشستر الودودة لمدة يومين ثم إلى إدنبره مدينة هاري بوتر. بالمناسبة، إدنبرة مدينة مريحه وأهلها ذوي أُلفه ومودة مثل الإيرلنديون ولا يعيبها إلا أنها تُغلق محلاتها باكراً. أذكر تفاصيل رحلتي السابقة لأقول أنك أحيانا تحتاج للسفر لأجل العزلة والخلوة والبحث عن الهدوء وأن تعمل لا شيء حرفياً.

Show CommentsClose Comments

Leave a comment