Skip to content Skip to footer

سقوط العملاق: لماذا لم تعد جوجل الخيار الأول للبحث؟

سقوط جوجل بات وشيكاً فلطالما كانت جوجل القوة العظمى في عالم البحث الإلكتروني، متحكمةً في كيفية وصول مليارات البشر إلى المعلومات واستيعابها. ومع ذلك، ورغم نفوذها الواسع، بدأت حصتها السوقية تتآكل شيئاً فشيئاً. فعلى الرغم من أن محرك البحث لا يزال يعالج نسبة ضخمة من عمليات البحث اليومية، إذ يستحوذ على نحو 18% من أصل 45 مليار عملية بحث تُجرى يومياً، إلا أن منافسين جُدد أخذوا يزاحمون جوجل Google، ليعيدوا تشكيل المشهد الرقمي ويحولوا دفة البحث نحو وجهات أخرى أكثر ابتكاراً وتأثيراً.

أصبح البحث الإلكتروني لا يقتصر على إدخال الكلمات المفتاحية في محركات البحث التقليدية، بل بات يأخذ طابعاً أكثر حداثة وتفاعلية، حيث أصبح المستخدمون يعتمدون على تجارب بحث بديلة أكثر سلاسةً وارتباطاً بالسياق. فمثلاً، تحوّل إنستغرام Instagram إلى محرك بحث مرئيّ، يمكّن المستخدمين من استكشاف الأفكار والصيحات عبر الصور والفيديوهات. أما أمازون، فقد أصبح الوجهة الأولى للبحث عن المنتجات، متجاوزاً جوجل بفضل تجربة التسوق المتكاملة التي يقدمها. في حين بات ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى تُحدث ثورةً في استرجاع المعلومات، حيث تقدم إجابات مباشرة ودقيقة دون الحاجة إلى تصفح عدد لا يحصى من الروابط والمواقع.

لماذا تراجع نفوذ جوجل؟

هذا التراجع لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عوامل عدة، لعل أبرزها:

1. تغير سلوك المستخدمين وعادات البحث

أصبح البحث الرقمي أكثر تطوراً من أي وقت مضى، حيث لم يعد المستخدمون يكتفون بالطريقة التقليدية المتمثلة في إدخال كلمات بحثية متفرقة، بل باتوا يبحثون بطرق أكثر طبيعية وسلاسة، منها:

  • الاعتماد على البحث الحواري والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي: بدلاً من كتابة “أفضل الهواتف الذكية الاقتصادية لعام 2024″، بات المستخدمون يطرحون أسئلة مباشرة على أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT قائلين: “ما هي أفضل الهواتف الاقتصادية هذا العام؟” والنتيجة؟ إجابة فورية ومباشرة دون الحاجة إلى استعراض عشرات المقالات.
  • هيمنة البحث البصري والمحتوى القصير: لم يعد البحث مقتصراً على النصوص، بل أصبح المستخدمون يفضلون البحث عن الأفكار والإلهام عبر مقاطع الفيديو القصيرة والصور المتحركة، كما هو الحال في تيك توك وإنستغرام. فبدلاً من البحث عن “أفكار تنسيق الملابس الشتوية”، صار المستخدمون يتوجهون مباشرة إلى إنستغرام وتيك توك لمشاهدة محتوى مرئي يلهمهم بأساليب تنسيق الملابس دون الحاجة إلى قراءة مقالات مطوّلة مثل هذا المقال الذي كتبته لك.
  • صعود البحث الصوتي: مع انتشار المساعدات الذكية مثل أليكسا وسيري ومساعد جوجل، بدأ المستخدمون، خاصة الأجيال الشابة، يعتمدون أكثر على البحث الصوتي بدلاً من البحث النصي، مما يجعل الأسلوب التقليدي لمحركات البحث أقل أهمية بمرور الوقت.

2. بطء ابتكار جوجل مقارنة بالمنافسين

على الرغم من كونها شركة تقنية عملاقة، فإن جوجل لم تتمكن من مجاراة وتيرة الابتكار السريعة التي يقودها منافسوها، حيث تفوقت عليها العديد من المنصات الأخرى من نواحٍ عدة:

  • تحوّل تيك توك وإنستغرام إلى منصات بحث متكاملة: عبر خوارزميات ذكية تقدم المحتوى بناءً على اهتمامات المستخدمين وسلوكهم، أصبحت هذه المنصات تتيح تجربة بحث أكثر جاذبية من البحث النصي التقليدي لجوجل.
  • سيطرت أمازون على البحث عن المنتجات: بدلاً من اللجوء إلى جوجل للبحث عن منتج، أصبح المستخدمون يتجهون مباشرة إلى أمازون، حيث يمكنهم رؤية مراجعات العملاء، مقارنة الأسعار، واتخاذ قرارات شراء مدروسة دون الحاجة إلى التنقل بين عدة مواقع.
  • تقنيات الذكاء الاصطناعي تسحب البساط من تحت جوجل: أصبحت أدوات مثل ChatGPT تقدم أجوبة مباشرة ودقيقة وسياقية دون الحاجة إلى المرور بعدد كبير من المواقع، مما يقلل الحاجة إلى استخدام جوجل كمحرك بحث تقليدي.

3. اعتماد جوجل المفرط على الإعلانات وتأثيره على تجربة المستخدم

من أكبر العوامل التي أسهمت في نفور المستخدمين من جوجل، هو اعتماده المكثف على الإعلانات المدفوعة، حيث أصبحت نتائج البحث مليئة بالإعلانات التي تسبق المحتوى العضوي، مما يخلق تجربة مستخدم مزعجة.

  • الإعلانات المفرطة في نتائج البحث: عند البحث عن أي منتج أو خدمة، يجد المستخدم أن أولى النتائج غالباً ما تكون إعلانات مدفوعة، مما يجعل الوصول إلى المعلومات الحقيقية أكثر صعوبة.
  • التلاعب بنتائج البحث التجارية: حتى في قسم التسوّق داخل جوجل، نجد أن المنتجات التي تظهر في المقدمة ليست بالضرورة الأفضل، بل هي مدفوعة الأجر، مما يجعل التوصيات أقل موثوقية مقارنة بتجربة التسوق على أمازون.
  • بروز بدائل خالية من الإعلانات: بدأ المستخدمون يلجؤون إلى بدائل خالية من الإعلانات مثل ChatGPT، حيث يمكنهم الحصول على المعلومات التي يريدونها دون أن تغمرهم الإعلانات.

كيف تتغير قواعد تحسين محركات البحث (SEO)؟

مع تراجع هيمنة جوجل، أصبحت استراتيجيات تحسين محركات البحث (SEO) تمر بتحول جذري، حيث لم يعد تحسين المحتوى لمحركات البحث مقتصراً على جوجل فحسب، بل أصبح يشمل منصات أخرى مثل إنستغرام، تيك توك، أمازون، وحتى ChatGPT.

1. البحث عن الظهور في منصات متعددة

لم يعد تحسين محركات البحث يعني تصدر نتائج البحث في جوجل فحسب، بل أصبح يشمل:

  • تحسين المحتوى ليظهر في نتائج ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي: عبر كتابة محتوى واضح وهيكلي يسهل على الذكاء الاصطناعي معالجته والاستشهاد به.
  • تحسين البحث داخل منصات التواصل الاجتماعي: حيث باتت المنصات الاجتماعية محركات بحث بحد ذاتها، ويتطلب الظهور فيها إتقان استخدام الكلمات المفتاحية، الوسوم (الهاشتاغ)، وتحليل تفاعل المستخدمين.
  • طبق ونفذ أفكار SEO على منصات التجارة الإلكترونية: لم يعد الظهور في نتائج بحث جوجل هو الأهم، بل أصبح تحسين المحتوى على أمازون وبنترست أساسياً لجذب العملاء وزيادة المبيعات.

2. بناء هوية رقمية قوية عبر الإنترنت

أصبح من الضروري أن تركز الشركات على بناء علامتها التجارية وانتشار اسمها في الإنترنت، حيث لم يعد الاعتماد على الكلمات المفتاحية وحده كافياً، بل أصبحت محركات البحث المختلفة تأخذ في الحسبان:

  • ذكر العلامة التجارية في المواقع والمدونات كإشارة إلى مصداقيتها.
  • المراجعات والتقييمات العالية التي تلعب دوراً أساسياً في تحسين ترتيب المنتجات والخدمات.
  • الاستفادة من التسويق عبر المؤثرين والمحتوى الذي ينشئه المستخدمون، حيث أصبح المحتوى التفاعلي جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات تحسين الظهور الرقمي.

الخلاصة: عصر احتكار جوجل انتهى

ستظل جوجل لاعباً رئيسيًا في عالم البحث، لكنها لم تعد الوجهة الحصرية للعثور على المعلومات. فمع صعود المنصات الجديدة، أصبح البحث أكثر تفاعلية، وذكاءً، وتعدداً من أي وقت مضى.

لم يعد الرهان على تصدر نتائج بحث جوجل كافياً، بل أصبح المطلوب هو الانتشار عبر جميع المنصات الرقمية، واستغلال كل فرصة للظهور في الأماكن التي يبحث فيها المستخدمون بالفعل. في عالم اليوم، البحث لم يعد مُقتصراً على “التصدر في جوجل”، بل عن “الظهور في كل مكان”. هذا يعني ضرورة بذل المتخصصين في تسويق المحتوى خاصة والتسويق الإلكتروني عامة إلى بذل المزيد من الجهد والتفاني أكثر.

Show CommentsClose Comments

Leave a comment