اخترته لك حلول الأعمال رأي هندسة برمجيات يونيو 4, 2025
في ظل السعي الوطني للتحول إلى حكومة رقمية رشيقة وفعالة كما تنص رؤية السعودية 2030، تصبح عملية تجديد الأنظمة حجر الأساس لتحقيق هذا الطموح الوطني.
في زمن تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، تجد كثير من المنظمات نفسها عالقة بين ماضٍ تقني مترهل ومستقبل رقمي يتطلب خفة ومرونة غير مسبوقة. وبينما تبدو الأنظمة القديمة عائقاً أمام هذا التحول، فإن إعادة النظر فيها وتطبيق منهجية “تجديد الأنظمة (System Modernization)” يمكن أن يُحوّلها إلى أصل استراتيجي يدعم التقدم الرقمي.
هذه التدوينة موجّهة بشكل أساسي للقراء العاملين في الجهات الحكومية والكيانات الوطنية الكبرى، كونها الجهات الأقدر على تبني مثل هذه المبادرات الطموحة. فالممارسات المتقدمة في تجديد الأنظمة تتطلب موارد مالية وبشرية كبيرة، كما تتطلب أطر حوكمة مرنة وتنظيم مؤسسي ناضج يسمح بالتغيير العميق.
ما الفرق بين “تحديث” الأنظمة و”تجديدها”؟
كثيراً ما يُستخدم مصطلح “تحديث الأنظمة” للإشارة إلى رفع إصدار برنامج أو تحسين واجهة استخدام. لكن هذا لا يلامس جوهر المشكلة في المنظمات التي تعتمد على أنظمة قديمة موروثة. الفرق الجوهري هو أن “تجديد الأنظمة” يشير إلى تحول معمّق في البنية التقنية، يشمل التصميم المعماري، وتوزيع الوظائف، وتكامل البيانات، وحتى طريقة تقديم الخدمة.
وبينما يشير التحديث Update إلى فعل تقني محدود، فإن التجديد Modernization هو قرار استراتيجي يتطلب فهماً عميقاً لاحتياجات المنظمة ومحيطها.
هل الأنظمة القديمة حقاً عائق؟
الأنظمة القديمة (Legacy Systems) ليست دائماً عبئاً. بل في كثير من الأحيان، تحمل هذه الأنظمة منطقاً متراكماً عبر سنوات، يصعب إعادة بنائه بسهولة. كما أنها قد تحتوي على بيانات تاريخية مهمة، تُعدّ منجماً غنياً لنماذج الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي.
بالمقابل فإن ما يجعلها فعلاً تبدو كعائق هو:
- تعقيدها وعدم قدرتها على التكامل بسهولة
- ضعف قابليتها للتوسع
- صعوبة صيانتها بسبب تقادم التكنولوجيا أو غياب التوثيق
لكن عند إخضاعها لعملية تجديد ممنهجة، تتحول هذه التحديات إلى فرص لإعادة البناء على أسس حديثة دون فقدان القيمة المتراكمة.
المحركات الستة لتجديد الأنظمة (بحسب Gartner)

من أبرز الإسهامات المرجعية في هذا المجال ما قدمته شركة Gartner، حيث حددت ستة محركات تدفع المنظمات إلى تجديد أنظمتها. وتنقسم هذه المحركات إلى قسمين رئيسيين:
أولاً: محركات تقنية (IT-Driven Drivers)
- التكلفة (Cost): ارتفاع تكلفة التشغيل والصيانة بشكل لا يتناسب مع الفائدة.
- التعقيد (Complexity): تزايد الاعتماد على حلول متفرقة وغير مترابطة.
- المخاطر (Risk): تصاعد المخاطر الأمنية أو التشغيلية بسبب تقادم النظام أو ضعف الحوكمة.
ثانياً: محركات من جانب الأعمال (Business-Driven Drivers)
- القيمة للأعمال (Business Value): حاجة المنظمة لتحقيق قيمة مضافة من النظام، تتجاوز مجرد الأداء الوظيفي.
- المرونة (Agility): التكيف السريع مع التغييرات التنظيمية أو التشريعية أو التقنية.
- الملاءمة لاحتياجات المنظمة (Business Fit): مدى انسجام النظام مع طبيعة الأنشطة الحالية للمنظمة، ومدى قدرته على دعمها مستقبلًا.
كل محرك من هذه المحركات يرتبط غالباً بفريق داخل المنظمة، وهو ما يجعل عملية تقييم الأنظمة عملية تشاركية بطبيعتها.
كيف تُترجم هذه المحركات إلى قرار؟
في الممارسات المهنية، لا يكفي فقط التعرف على هذه المحركات نظرياً، بل من المهم تحويلها إلى أدوات لتقييم الواقع. في تجربة عملية خضتها، تم إعداد استبيان دقيق متعدد المحاور موجّه إلى الإدارات ذات العلاقة، مثل: إدارة التشغيل، الأمن السيبراني، تطوير الأنظمة، إدارة الحوكمة التقنية، إدارة المخاطر، والاستراتيجية.
جاءت الإجابات متفاوتة في الدقة والوضوح، لكن الحوار مع الجهات المجيبة وتحليل النتائج مكّن من صياغة صورة واضحة عن الوضع القائم، وساعد في بناء تصور مبدئي لخارطة الطريق.
خيارات تجديد الأنظمة: إطار عمل Gartner
أحد أشهر أطر العمل في السوق، الذي تقترحه Gartner، يعرض سبعة خيارات لتجديد الأنظمة، تتفاوت في درجة الجهد والتكلفة والتأثير:
- التغليف (Encapsulate): تغليف وظائف النظام القديم داخل واجهات برمجية (APIs). هذه الحالة تنطبق على أنظمة تعمل بلا قصور فيها ولكن يصعب أن تتكامل مع الأنظمة الأخرى. لذا يأتي حل تغليف وظائفها وخدماتها بحزمة من API التي يتم تطويرها حتى يسهل الربط والتكامل بين هذا النظام القديم والأنظمة الأخرى في المنظمة.
- إعادة الاستضافة (Rehost): نقل النظام كما هو إلى منصة جديدة (غالباً سحابية).
- إعادة التهيئة (Replatform): ترحيل النظام إلى منصة جديدة مع تعديلات طفيفة.
- إعادة الهيكلة (Refactor): إعادة كتابة أجزاء من الكود لتحسين الأداء دون تغيير السلوك.
- إعادة التصميم المعماري (Rearchitect): إعادة بناء هيكل النظام ليتماشى مع مفاهيم حديثة مثل معمارية الخدمات المصغّرة (Microservices Architecture).
- إعادة البناء (Rebuild): بناء النظام من الصفر بنفس الوظائف.
- الاستبدال (Replace): إلغاء النظام بالكامل وتبني نظام جديد. وهذا يتطبق عليه مقولة آخر الدواء الكيّ.
لا توجد وصفة واحدة تصلح لكل حالة، لكن هذا الإطار يُسهم في تحديد الخيار الأنسب لكل نظام بناءً على مزيج من العوامل التقنية والتنظيمية. لا تنسى أن تأخذ في اعتبارك المتطلبات التنظيمية والتشريعية التي يتم غصدراها بين حين وآخر مثل تشريعات خصوصية البيانات والأمن السيبراني وتنظيمات مكتب إدارة البيانات الوطنية NDMO ذات العلاقة بإدارة وحوكمة البيانات.

خارطة الطريق: كيف نبدأ؟
من خلال تحليل البياناتالتي ستجمعها من الفرق والإدارات ذات العلاقة ، ستظهر لك أنظمة يمكن تصنيفها ضمن ما يُعرف بـ Quick Wins، أي أنها منخفضة التعقيد وعالية الأثر، وتم إدراجها ضمن خطة التنفيذ الأقرب.
أما الأنظمة الأكثر تعقيداً أو الأقل إلحاحاً، فيمكنك أن تقوم بتوزيعها على مراحل أعوام تالية، مع الإبقاء على مرونة القرار فيها بحسب تطور الاحتياج التنظيمي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن رؤية السعودية 2030 لها تأثير مباشر على إعادة ترتيب الأولويات ضمن خارطة الطريق، إذ يجب أنتركز على رفع كفاءة الأداء الحكومي، وتحسين تجربة المستفيد، وتعزيز الحوكمة الرقمية. هذه التوجهات ستجعل من الضروري أن تقدم المُبادرات ذات الأثر العالي على الخدمة العامة في المراحل الأولى، حتى لو كانت تقنياً أقل تعقيداً من غيرها.
تجديد الأنظمة يبدأ من تمركز إجراءات العمل
أحد المبادئ الجوهرية في منهجية التجديد التي قمت باتباعها في أحد التجارب هو إعادة تصميم إجراءات العمل (Business Processes) كمقدمة ضرورية لأي تجديد.
تم تبني مبدأ “التمركز” في الإجراءات:
- جمع الإجراءات المتشابهة أو المتكررة في نظام واحد (مثال: الموارد البشرية).
- إطفاء التطبيقات الجزئية المبنية على أدوات مثل SharePoint.
- إعادة بناء الإجراءات والخدمات على أنظمة مركزية مثل ERP.
- ما لا يمكن إدراجه ضمن نظام مركزي، يُعاد بناؤه كخدمة مستقلة وفق معمارية الخدمات المصغّرة (Microservices Architecture).
مقاومة التغيير ليست تقنية دائماً
أحد التحديات غير التقنية التي تظهر في هذه الرحلة هو مقاومة التغيير الصامتة، مثل:
- تأخر الردود على الاستبيانات
- إجابات غامضة أو غير دقيقة
- محاولة تمرير الحد الأدنى من التعاون
لكن عبر النقاش البنّاء، والتحقق من البيانات، وإشراك الفرق في صياغة الحلول، يتم تجاوز هذه العوائق تدريجياً.
ختاماً: تجديد الأنظمة ليس مجردّ قرار تقني… بل خطوة نحو المستقبل
تجديد الأنظمة ليس قراراً تنفيذياً يُتخذ بمعزل عن السياق، بل هو تفكير استراتيجي ناضج يُعيد تعريف العلاقة بين التقنية والعمل. وعند دمج مبادئ مثل محركات Gartner، وخياراتها السبعة، وتمركز الإجراءات، وتناغم كل ذلك مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، تنشأ خارطة طريق تمكّن المنظمة من التحول إلى كيان رقمي متماسك.
ليس الهدف التخلص من الماضي، بل استخدامه بذكاء لبناء المستقبل.
هل تقف أنظمتكم القديمة عائقًا فعليًا… أم يمكن أن تكون نواة التحول القادم؟